اقتصاد

التضخم وتأثيره المتواصل على القوة الشرائية: توقعات المندوبية السامية للتخطيط لعام 2024

تشهد الأسر في المغرب استمرار معاناة القوة الشرائية وتأثيراتها السلبية بسبب التضخم المستمر، وفقًا لتقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط. ويتوقع التقرير استمرار هذا الانخفاض للعام الثالث على التوالي، حيث تشير التوقعات إلى انخفاض نسبة القوة الشرائية بنسبة 0.01 بالمئة، بعد أن بلغت 0.5 بالمئة في عام 2023 و4 بالمئة في عام 2022.

يتسبب التضخم العالي في تفاقم صعوبات الأسر، وخاصة الأسر ذات الدخل المنخفض، حيث يؤدي إلى تقليص قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية وزيادة الضغوط عليهم. وتشير الأرقام إلى أن التضخم الإجمالي بلغ 6.6 بالمئة في عام 2022 و6.1 بالمئة في عام 2023، وكان له تأثير كبير على الفئات الاجتماعية والمهنية المعوزة بالمقارنة مع الفئات الأكثر ثراءً.

على صعيد التوقعات الاقتصادية لعام 2024، يتوقع التقرير أن يصل الناتج الداخلي الإجمالي إلى نسبة 3.2 بالمئة، في حين تصل نسبة القيمة المضافة للأنشطة غير الفلاحية إلى نفس النسبة. ومن المتوقع أيضًا أن ينخفض معدل التضخم إلى 2.8 بالمئة، ومعدل الدين العمومي الإجمالي إلى حوالي 85.2 بالمئة.

وتشير التوقعات إلى أن الطلب الداخلي سيستفيد من جهود الاستثمار العمومي وبرامج الدعم الاجتماعي المباشر للأسر، وذلك في إطار تفعيل البرامج الاجتماعية التي وضعتها الاستراتيجية الملكية.

وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن يشهد استهلاك الأسر زيادة طفيفة بنسبة 11%، نتيجة تحسن المداخيل وتراجع الضغوط التضخمية بشكل نسبي.

حاجة للتمويل

كما أن تمويل احتياجات الدولة، بالتزامن مع برنامج المساعدة الاجتماعية والاستثمارات في البنية التحتية، يتطلب تعبئة كبيرة للموارد المالية الداخلية والخارجية، وفي المقابل فإن ارتفاع الديون المستحقة وتكلفتها يؤدي إلى تزايد نفقات خدمة الدين، حيث سترتفع نفقات الفائدة سنة 2024 بأكثر من 12 مليار درهم مقارنة بمتوسط الفترة 2014-2022 و8 مليار درهم مقارنة بسنة 2023، لتناهز حوالي 38,8 مليار درهم.

وأكد المصدر ذاته أن معدل الدين الإجمالي للخزينة سيصل إلى 72.4 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ما يمثل 54,5 بالمائة بالنسبة للدين الداخلي و17,9% من الناتج الداخلي الإجمالي بالنسبة للدين الخارجي.

وبناء على حصة الدين الخارجي المضمون من طرف الدولة الذي سيستقر في حدود 12,8% من الناتج الداخلي الإجمالي سيبلغ الدين العمومي الإجمالي حوالي 85,2 (1300 مليار درهم من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 عوض 85,6 سنة 2023. الاتجاه التصاعدي للديون يتطلب اهتماما هاما بغية ضمان استقرار الوضع المالي للبلاد وحمايته من التقلبات النظام المالي الدولي، وتجنب الاعتماد المفرط على المانحين الخارجيين.

عجز الميزانية في تراجع

التقرير ذاته توقع استقرار النفقات الجارية في حدود 20 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 20,5 بالمئة المقدرة سنة 2023 نتيجة للانخفاض المتوقع لنفقات المقاصة التي ستبلغ 1,2% من الناتج الداخلي الإجمالي، عوض المتوسط السنوي 2 المسجل خلال الفترة 2014-2022، بالإضافة إلى ذلك، ستصل نفقات الاستثمار إلى حوالي %6,6 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 6.4 سنة 2023.

كما سيواصل عجز الميزانية تراجعه خلال سنة 2024 مستفيدا من التحسن المرتقب للنشاط الاقتصادي الوطني ومن تقليص نفقات المقاصة، نتيجة الإصلاح التدريجي لسياسة دعم غاز البوتان، الذي يمثل في المتوسط حوالي %60 من نفقات الدعم الإجمالي لأسعار الاستهلاك خلال الفترة 2014-2022.

وبخصوص المداخيل الجارية فإنها سترتفع لتصل لحوالي 21,8% من الناتج الداخلي الإجمالي، نتيجة الزيادة المتوقعة للمداخيل الجبائية وغير الجبائية، وفي ظل هذه الظروف، ستفرز المالية العمومية تراجعا في عجز الميزانية ليستقر في حدود 4,5% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 عوض 4,7% سنة 2023.

وبخصوص سنة 2023 أكدت المندوبية السامية للتخطيط، أن تمويل عجز الميزانية وتلبية حاجياتها المتزايدة قامت الخزينة خلال باللجوء أساسا إلى الاقتراض الخارجي، حيث لجأ المغرب إلى السوق الدولية بعد آخر إصدار منذ سنتين، للحصول على اقتراض خارجي بقيمة 2,5 مليار دولار، بهدف التقليل من الضغوطات على التمويل الداخلي والحفاظ على استقرار الموجودات الخارجية في مستويات ملائمة، ليسجل الدين الخارجي للخزينة بذلك ارتفاعا بنسبة تصل إلى 18,2% من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 17,2% سنة 2022، فيما ارتفع الدين الداخلي ليصل إلى 53.8 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي.

جدير بالذكر أن حجم المبادلات التجارية العالمية أثر بشكل كبير على الطلب الموجه نحو السوق الوطنية، كما أن صادرات المهن العالمية ستواصل منحاها التصاعدي، نتيجة استمرار الطلب الخارجي الموجه نحو أنشطتها، خاصة قطاع صناعة السيارات في شطره المتعلق بالتركيب والأسلاك الكهربائية وقطاع الإلكترونيات والكهرباء، فيما سجلت صادرات الفوسفاط ومشتقاته نتائج غير ملائمة، حيث تراجع حجمها نتيجة تغيير وجهة الطلب الخارجي نحو أسواق أخرى وتأثيرات الرسوم الجمركية المفروضة على الأسمدة الكيماوية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.

وللاشارة فإن حجم الواردات من السلع عرف ارتفاعا بـ 6,1% عام 2023 عوض 5% المسجلة سنة 2022، ويعزى هذا المنحى إلى زيادة الواردات من سلع التجهيز و من منتجات الاستهلاك النهائية، غير أن هذا التطور سيبقى محدودا نتيجة تراجع حجم الواردات من أنصاف المنتجات، خاصة الأمونياك والمنتوجات الغذائية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى