
حكومة أخنوش تتحول إلى عائق في وجه طموحات الملك والشعب
تكفي إطلالة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاهدة مئات الفيديوهات للمتضررين والناقمين والحاقدين والمساكين والمظلومين والمقصيين.. لتعرف الحكومة أن ما تقدمه من مبررات ووعود لا أثر له على أرض الواقع، بل إن الهدوء الذي تشهده البلاد، يكاد أن يكون “هدوءً لما قبل العاصفة”.
“الموس وصل للعظم” عند المغاربة، ولا أحد يستطيع تحمل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.. الكلام هنا ليس لمواطن في حي شعبي، بل القائل هو النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، وهو من طينة المسؤولين المنشغلين بما يجري في صفوف الشعب، نظرا لمسؤوليته النقابية كرئيس للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، فرغم انتمائه لحزب الاستقلال المشارك في الأغلبية الحكومية، إلا أن ذلك لم يمنعه من القول أياما قبل شهر رمضان: ((حضيو روسكم، راكم ساكتين، ونحن أعطينا الحكومة أغلبية مريحة كي تشتغل، والصبر كايضبر.. فلا يعقل أن يباع البصل في بلد فلاحي بأربعة عشر درهما، دون الحديث عن أسعار اللحوم..))، هكذا تحدث ميارة باستعمال قبعته النضالية.
أسوأ خاصية في الحكومة الحالية، هي عدم تجاوبها مع مطالب الشعب، واختبائها وراء مبررات واهية مثل الحرب في أوكرانيا، والجفاف، والخطير في الأمر، أن حكومة رجال الأعمال تواصل الوقوع في فخ “تضارب المصالح”.. فمن سيصدق أن أخنوش “رئيس” أكبر لوبي للمحروقات في المغرب، لا يستفيد كل يوم من الملايير المخصصة لشراء المحروقات سواء من طرف الدولة أو من طرف المواطنين، من سيصدق أننا أمام حكومة اجتماعية بالفعل بينما الطبقات الاجتماعية كلها تصرخ، والأغنياء يزدادون غنى(..).
وبينما يفترض في الحكومة أن تسهل مهام الملك، بل إن العكس هو الذي حصل، حيث بات الناس يطرقون مباشرة أبواب الملك في مناشداتهم، ورغم أن الملك قريب من الشعب، إلا أن تسيير دولة لا يمكن أن يكون كذلك، والخطير في الأمر، أن بعض الوزراء غارقون في تدابير تقنية ولا يعرفهم أحد، وليست لهم أي روح للمبادرة.
وهواة الأرقام، يمكنهم أن يستمعوا لتقارير المندوبية السامية للتخطيط، التي قالت: “إن نسب التضخم المسجلة بالمغرب هي الأعلى منذ 30 سنة”، ما يعني أن فشل هذه الحكومة جاء ليحطم كل الأرقام السابقة رغم أنها الحكومة التي قدمت لها كل التسهيلات(..).
وفي ذات السياق، أكدت المندوبية ارتفاع أسعار الاستهلاك بنسبة 6.6 في المائة عام 2022، بعد أن زادت بنسبة 1.4 في المائة عام 2021، وبنسبة 0.7 في المائة في 2020، مضيفة أن مؤشر المواد الغذائية ارتفع بنسبة 11.0 في المائة، وغير الغذائية بنسبة 3.9 في المائة، فيما الزيادة في المنتجات الغذائية ترجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع الزيوت والدهون بنسبة 26.4 في المائة، والخضر بنسبة 15.7 في المائة، والخبز والحبوب بنسبة 14.4 في المائة، واللحوم بنسبة 7.9 في المائة، ثم الحليب والجبن والبيض بنسبة 6.9 في المائة، والفواكه بنسبة 5.6 في المائة، والأسماك بنسبة 4.6 في المائة.
ولمن يفضل لغة البنوك، يمكنه أن يضع يده على قلبه وهو يقرأ في الصحافة الوطنية إغلاق عشرات الأبناك، ورفع نسبة الفائدة، وتدخل الدولة لتوفير الضمان لبنك المغرب من أجل توفير “سيولة استعجالية” للأبناك.
أما بلغة السياسة، فيمكن قراءة الرسالة الأخيرة التي وجهها حزب سياسي، هو حزب التقدم والاشتراكية، إلى رئيس الحكومة، وهو الحزب الذي يعرف كواليس العمل الحكومي، ولكنه فضل استعمال لغة “الشارع”، لوجود خطر محدق، وبغض النظر عن هذا الحزب وعن ممارسته لنشاط سياسي، فإن كل مواطن عانى من حكومة أخنوش يمكنه أن يجد نفسه في إحدى هذه الملاحظات التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية إلى الحكومة:
((+ استنكار صمت الحكومة ووقوفها موقف المتفرج إزاء هذه الأوضاع التي تمس كل الفئات الاجتماعية، وأساسا ذوي الدخل المحدود والفئات المعوزة والمستضعفة والفئات الوسطى.. والتحذير من تواتر خيبات المغربيات والمغاربة تُجاه التطمينات الشفوية وتعبيرات الارتياح التي تُطلقها الحكومة ويُفَنِّدها الواقع المعيش، وكذا إصدارات بنك المغرب، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمندوبية السامية للتخطيط، والتي تنبه إلى دقة الأوضاع واتساع رقعة الفقر؛
+ تنبيه الحكومة إلى ضرورة تحمل مسؤولياتها كاملة حُيال الوضع الاجتماعي المقلق، والتخلي نهائيا عن خطاب تبرير الوضع بالتقلبات الدولية، والاختباء وراء الظروف المناخية، والتحجج المغالط بإرث الحكومات السابقة التي كان حزبُكم مكونا أساسيا فيها متحملا لحقائب أهم القطاعات المالية والاقتصادية والإنتاجية؛
+ التأكيد على أن مرور سنة ونصف تقريبا من عمر حكومتكم، دون اتخاذها إجراءات قوية وفعلية لحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، ولمقاومة صعوبات الظرفية، هو العامل الرئيسي في المعاناة القاسية التي يعيشها المغاربة اليوم مع الغلاء التاريخي وغير المسبوق للأسعار منذ عقود؛
+ تذكير الحكومة بأنها تنكرت بشكل يكاد يكون تاما، للنموذج التنموي الجديد الذي أعلنته مرجعا لها، كما نذكرها بأنها أخلفت، إلى الآن، تنفيذ معظم التزاماتها الواردة في التصريح الحكومي، ومنها: دخل الكرامة، والزيادة في أجور نساء ورجال التعليم، وتوسيع رقعة الطبقات الوسطى، وتحقيق 4 % كنسبة نمو، وإحداث 200 ألف منصب شغل قار سنويا، والرفع من معدل الشغل لدى النساء، تنفيذ الإصلاح الجبائي، وإخراج مليون أسرة من وضعية الفقر، وغيرها كثير من الالتزامات)) (المصدر: رسالة حزب التقدم والاشتراكية إلى الحكومة).
هذا بالنسبة للملاحظات على الحكومة، ورغم أنها صادرة عن حزب سياسي اختار اللجوء إلى أسلوب الضغط الشعبي، حماية لمستقبله السياسي(..)، إلا أن الحكومة لم تلتقط الإشارة، وهو ما يتأكد من خلال الرد على الملاحظات سالفة الذكر، حيث اعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار أن مثل هذا الكلام يجب أن يقال من خلال المؤسسات(..)، فقد اعتبر المكتب السياسي لحزب “الحمامة”، في بيان توصلت “هسبريس” بنسخة منه، أن رسالة رفاق بنعبد الله “خارج الأعراف الديمقراطية”، مشيرا إلى أن ((رئيس الحكومة يمكن مساءلته بناء على القنوات الدستورية، والمتمثلة أساسا في جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، التي ينظمها الفصل 100 من الدستور، غير أن الرسالة (رسالة التقدم والاشتراكية) قررت مخاطبة مؤسسة دستورية بصفة حزبية، مسائلة التعهدات الانتخابية للحزب، وليس التزامات البرنامج الحكومي الذي يهم الأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحكومي، والذي بناء عليه حصلت الحكومة على ثقة البرلمان)) (المصدر: موقع هسبريس).
بالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار، يتعين انتظار القنوات الرسمية لتمرير الخطابات الشعبية، وبينما الشارع يغلي.. يتعين انتظار الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، التي تتخذ القرار تلو القرار.
إن عدم الالتفاف مع صوت المعارضة هو الذي دفع حزبا آخر إلى التهديد باللجوء للمحكمة الدستورية، وهو حزب الحركة الشعبية.
وحري بالحكومة أن تتفاعل مع المعارضة، لأن خروج الأمور عن السيطرة، يعني الاحتكام للشارع، الذي لا يعترف لا بأحزاب الحكومة ولا بأحزاب المعارضة، فليس المشكل هو توفير جواب لحزب التقدم والاشتراكية، بل يجب توفير الأجوبة للشعب، كيف وصل ثمن السردين إلى 50 درهما في سوق الرباط ليلة المنتصف من رمضان؟ وكيف وصل ثمن البصل إلى 20 درهما؟
إن الحل بالنسبة للحكومة اليوم، ولا داعي للتفريق بين صوت الشعب والمعارضة في هذا الصدد، طالما أن الحلول المقترحة تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار، هو تقديم دعم مباشر للأسر المعوزة، وفي هذا الصدد، قال عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية: ((إن الأصل في مواجهة أزمة الغلاء وارتفاع الأسعار، أن نتوجه لمعالجتها من أساسها، سواء في المواد الفلاحية المتعلقة بفشل المخطط الأخضر، أو الطاقة والمحروقات، والمرتبطة بتحقيق الشركات العاملة في القطاع لأرباح خيالية وغير أخلافية على حساب الشعب، أو ما تعلق بالإشكالات الأخرى، وعلى رأسها قضية تضارب المصالح، لكننا اليوم أصبحنا أمام وضع اجتماعي يستدعي التدخل وبشكل مستعجل، وضع مؤشراتُه مقلقة ودالة في جميع المناطق، حضرية كانت أو قروية، إثر موجة الغلاء التي مست الجميع، طبقة هشة وفقيرة ومتوسطة، في ظل صمت حكومي مطبق))
ولذا، يقول عضو أمانة “المصباح”، ((كان لزاما أن نقترح إجراءات عملية نتوجه بها لفعل حقيقي ومؤثر، وليس ما قامت به الحكومة، عبر الدعم الموجه لمهنيي النقل، والذي كلف إلى الآن 5 ملايير درهم، عبر 9 دفعات، دون أي أثر مباشر على السلع والخضر وارتفاع الأسعار)).
هكذا تحدث بوانو، ومطلب تقديم الدعم المباشر، يبقى أحد الحلول لإنقاذ الحكومة الحالية، بل وإنقاذ مستقبل البلاد ككل، حتى لا تكبر المطالب مثل كرة الثلج، أما الاختباء وراء التصريحات، فذلك لن يجعل الحكومة سوى عائقا بين الملك والشعب، وعدم وجودها أفضل من وجودها، لأنها هي الأخرى تكلف ميزانية الدولة أموالا طائلة دون فائدة، ولأنه في غياب الأثر السياسي يمكن الاكتفاء بإسناد كافة المهام لمكتب دراسات وانتهى الموضوع(..).